ذكر اختصاصيون أن هناك عقوبة تعزيرية غير مقدرة على من يحاول قتل نفسه، بما يتناسب مع ظروف الحدث، وهذا يخضع لتقدير القاضي، وأن العقوبات التعزيرية لمثل هذه الواقعة تبدأ من الوعظ والتعنيف وتصل إلى الحبس والضرب عند الاقتضاء، وقد يوصي القاضي بمتابعة من صدرت منه المحاولة أثناء احتجازه.
وللحد من حالات الانتحار طالب الاختصاصيون بالعمل على تنفيذ برنامج تثقيفي نفسي للشباب والشابات في المدارس والكليات، وتنظيم ندوات وورش عمل تثقيفية، لتقديم المعلومات حول أهم المشكلات النفسية، ومنها الانتحار.
كما طالبوا بتحديد رقم موحد للحالات الحرجة كالإيذاء أو للانتحار بشكل خاص، وأيضا إيجاد نظام تشريعي يضمن حماية المعالج المتعامل مع حالات الانتحار، والعمل على تقليل الضغوط النفسية عن طريق التوعية والترشيد بأسلوب إيجابي، وإنشاء جمعيات خاصة برعاية من يفكرون بالانتحار، أسوة بمدمني المخدرات، وإيجاد برامج علاجية مجانية في العيادات المتخصصة بمبلغ مدفوع من جهة رسمية تتولى قضية الانتحار.
حرمت من طفلها فحاولت الانتحار
سيدة ألقت بنفسها من سيارة أجرة في طريق سريع، لأن طليقها قرر حرمانها من طفلها الصغير، ولم تجد دعما من أسرتها لاستعادته، ولم يستمع لها ويساعدها أحد، لم تحتمل ذلك فتعرضت لصدمة نفسية، ولكنها رغم ما فعلته لم تمت.
وتروي ف. ع واقعة انتحار شقيقها، حيث تهجم ح على أخيه بالشتم، ووصل الأمر إلى العنف، فخرجت الأمور من زمامها، وفي خضم ثورة ح انطلق كالمجنون للبحث عن الرشاش، وأطلق على أخيه طلقات فأصابه، ثم عاد إلى نفس المكان ليصوب الرشاش من خلف الباب اعتقادا منه أن أخاه خلفه، ليكتشف الطامة الكبرى، فقد أصاب والده وقتله، عندها تراجع إلى غرفته، وأفرغ الرشاش في رأسه، وانتحر مخلفا وراءه مئات من الأسئلة.
وتسرد ف بنفس النبرة حادثة انتحار أخرى حدثت في قبيلتهم، حيث شهدت انتحار طالب ثانوي شنقاً، بسبب رسوبه في امتحان الثانوية العامة، وتهديد والده له مسبقاً بالعقاب في حالة عدم حصوله على معدل ليؤهله لدخول الجامعة.
الزهراني أن هناك العديد من الأسباب التي لمست على أرض الواقع ومنها مشكلات اجتماعية واقتصادية وضغوط اجتماعية مثل مشكلات الطلاق والعنف والهروب من الواقع والانهزامية، وإجبار الفتيات على الزواج، وانفصال الوالدين، والضغوط النفسية على الفتيات.
وقال إن كثيراً من المنتحرين الأجانب يتركون خلفهم رسائل تحكي عن سبب الانتحار، مبينا أن هذه الرسائل تساعد في التكيف مع القانون، بدلا من البحث عن شبهة جنائية، بحيث يحكي المنتحر أسباب الانتحار ودوافعه، مستشهدا بحالة انتحار حدثت هذا العام في انتهاء موسم الحج لمنتحر أجنبي انتحر في مزدلفة، رغم أن أسرته كانت معه في الحج، مؤكدا أن معظم مشكلات الانتحار ناتجة عن الاكتئاب، والشعور بالعجز والضعف، وعدم الإيمان بالقضاء والقدر.
يقول الزهراني "الفتيات يستخدمن وسائل سهلة في الانتحار، بحيث يمكن إنقاذهن من الموت، وخاصة عند استخدام العقاقير الطبية أو المواد المنظفة، وتقوم الإدارة في هذه الحالات بالاتصال بالأسرة، والعمل على توجيه وتوعية الأسرة بتغيير أسلوب التعامل مع الفتاة، ولقد نجحنا في إنقاذ العديد من الفتيات، أما الشباب فيختارون غالبا أسلوب الشنق أو عمل قطع بسكين في أحد الأوردة، أو استخدام الطلق الناري، مشيرا إلى أن الفترة الأخيرة شهدت تقليد بعض صغار السن لعدد من الأفلام ولعمليات الانتحار والشنق، وعندما تكون لشخص دون سن التكليف تعد تقليدا، ولا تعد انتحارا لأن الانتحار يصدر عن إنسان مدرك أنه ينهي حياته.
الإنسان مستخلف على نفسه
ويقول رئيس هيئة الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة بالسعودية الدكتور عبدالله المصلح "موقف الدين من الحفاظ على النفس مبني على خمس قواعد، وهي الحفاظ على الدين والنفس والعقل والمال والعرض، وهذا التكامل في البناء الاجتماعي يعتبر الميزة التي تتميز بها هذه الشريعة عما سواها من شرائع الأرض، وأي خلل في هذه القواعد الخمس يعني وجود خلل واقع في المجتمع والأمة".
وأبان الدكتور المصلح أن الإسلام وضع مجموعة من الأسباب الحامية لكل واحد من القواعد الخمس، ومن ضمن ما حمى الله من هذه القواعد الخمس قاعدة الحفاظ على النفس، ويبدأ ذلك من باب الحفاظ على النفس بالاعتقاد، بأن هذا الإنسان هو بناء الله الذي خلقه، وهذا البناء هو الذي يجب أن يقدر، وأن المالك الحقيقي لهذا الإنسان هو الله عز وجل، والإنسان على نفسه مستخلف، وأن الإنسان ليس حرا في قتل نفسه، بل هو مؤاخذ على ذلك، بل إن الله يعذبه ويدخله النار بما كان من قتل نفسه، وهذا الاعتقاد يجعل للإنسان حرمة نفسه على نفسه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "...زوال الدنيا وما عليها أهون عند الله من قتل رجل مسلم"، سواء أكان القتل من خلال الغير أو بالنفس، وقد وجدنا في كلامه "صلى الله عليه وسلم" وهو ينظر إلى الكعبة قوله "إن حرمتك عند الله لعظيمة، ولكن حرمة دم المسلم عند الله أعظم منك" أي الكعبة.
ضغوط الأسرة سبب رئيسي
وقسم استشاري الصحة النفسية بأبها الدكتور علي الزائري الأسباب التي تؤدي إلى الانتحار إلى أسباب اجتماعية وأسرية من مشكلات وضعف التكافل الأسري بين أفراد الأسرة الواحدة ومشكلات نفسية مثل القلق والاكتئاب النفسي والمخدرات والمشكلات الأخلاقية والتفكك الأسري والظروف الاجتماعية السيئة والمشكلات الاقتصادية.
وعن خطوات الانتحار لدى الفتيات أشار إلى أن السيدات يستخدمن العقاقير الطبية أو المنظفات المنزلية، وهذا النوع من الانتحار يمكن تداركه، على العكس من خطوات الانتحار لدى الشباب التي يتم فيها استخدام الشنق والسكين وغير ذلك.
وقال "مشكلات الانتحار بين الشباب السعودي تتركز بين عمر 18 سنة إلى 30 سنة، ومحاولات انتحار الفتيات تشكل أربعة أضعاف محاولات انتحار الشباب، مع أن محاولات الفتيات لا تعد محاولات قاتلة مقارنة بالشباب"، مشيرا إلى أن العديد من الحالات التي تابعها جاءت نتيجة لضغوط وخلافات من الأسرة.
وبين الدكتور زائري أن الحلول لابد أن تكون عن طريق رعاية نفسية للمرضى النفسيين الذين يعانون من الاكتئاب، وإعادة التأهيل النفسي عبر الجلسات النفسية مع الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين، وإعادة تأهيل الأسرة، والمساهمة في إيجاد علاقة أسرية ناجحة بين الآباء والأبناء والأمهات والبنات، وحل المشكلات الأسرية، والعمل على تدعيم الجوانب الاقتصادية لدى الشباب والشابات، حيث إن العديد من الأسر تتجاهل قضية الدعم الاقتصادي، وذلك بسبب ضعف إيرادات الأسرة وقلة التعليم، والعجز عن إيجاد مصادر دخل.
وطالب بالعمل على تنفيذ برنامج تثقيفي نفسي للشباب والشابات في المدارس والكليات، وتنظيم ندوات وورش عمل تثقيفية بدعم من الاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين، لتقديم المعلومات حول أهم المشكلات النفسية، ومنها الانتحار، وتوعية الشباب والفتيات بكيفية التعامل مع المشكلات المختلفة، وتقوية الوازع الديني، والتعريف بطرق التعامل مع المشكلة، والتخلص من التوتر والاكتئاب، وأن يتم وضع هذه المعلومات في المناهج التعليمية، والتعريف بالأمراض النفسية والاجتماعية الشائعة.
تحذير من تقليد الأطفال لمشاهد العنف
ومن جهته يؤكد الاستشاري النفسي الدكتور محمد التويجري من جامعة الإمام محمد بن سعود على وجود الانتحار في المجتمع السعودي منذ زمن والانفتاح الإعلامي أسهم في كشف الغطاء عنه بجرأة خاصة في الآونة الأخيرة، ويعقب قائلا "مجتمعنا كالمجتمعات الأخرى نعاني من وجود الأمراض النفسية والذهنية النفسية كالفصام، والخلافات الزوجية وتعاطي المخدرات والكحول، والتي تعتبر من الأسباب الرئيسية للانتحار، ناهيك عن نتائج انهيار السوق وما أشارت إليه مصادر طبية في السعودية من ارتفاع أعداد مراجعي العيادات النفسية بشكل يفوق طاقة تلك العيادات، والسبب الرئيسي يعود إلى خسائر سوق الأسهم.
وحذر الدكتور التويجري من انتشار الانتحار بين الأطفال السعوديين، نتيجة للتقليد والمحاكاة لما يرونه على الشاشة من مشاهد العنف، أو إصابتهم بالاكتئاب نتيجة للعنف الأسري، ونفى إمكانية استخدام الشباب للإنترنت في الانتحار الجماعي عبر غرف الدردشة، واعتبرها ظاهرة غربية لها مسبباتها ومعطياتها التي تختلف عن عالمنا العربي.
ويطالب المشرف العام على الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بمنطقة مكة المكرمة الدكتور حسين الشريف الجهات المسؤولة بدراسات للحالات الفردية لتقوم الجمعية الوطنية بمعالجة هذه الحالات والوصول إلى حل باعتبار حق الحياة حقاً من حقوق الإنسان، كما أوضح أن مهمة الجمعية تقصي الحالات الفردية في دور الإيواء والرعاية والسجون وأي تقصير في إظهار الإحصائيات ستنصف الجمعية أهل المنتحر وتحاسب المتسبب في ذلك مع ملاحقته قانونياً، ولا يعتبر الدكتور الشريف الانتحار ظاهرة في السعودية لضبابية الإحصائيات وعدم دقتها.
رقم موحد لحالات الانتحار
ويقترح أستاذ الخدمة العلاجية الإكلينيكية بجامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور ناصر العود تحديد رقم موحد بدعم شركات الاتصال الجوال، مكون من خانة واحدة، مخزن في شرائح الجوال للحالات الحرجة كالإيذاء أو للانتحار بشكل خاص، وأيضا إيجاد نظام تشريعي يضمن حماية المعالج المتعامل مع حالات الانتحار بتشكيل فريق يجمع مختصين في الشرع والنفس والاجتماع والقانون، والعمل على تقليل الضغوط النفسية عن طريق التوعية والترشيد بأسلوب إيجابي، وإنشاء جمعيات خاصة برعاية من يفكرون بالانتحار، أسوة بمدمني المخدرات، وإيجاد برامج علاجية مجانية في العيادات المتخصصة بمبلغ مدفوع من جهة رسمية تتولى قضية الانتحار، والتنسيق بين مراكز الأعمال والصحة النفسية أثناء خروج المرضى لمتابعة أفكارهم الانحرافية بقتل نفسه أو غيرها، وتفعيل دور الاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين بشكل أكبر وأوسع مما هو موجود، ودعم المراكز الإرشادية الخيرية بتدريب وتوجيه وتأهيل الاختصاصيين فيها، وعمل برامج تلفزيونية وإذاعية توعوية لمناقشة المواضيع المتعلقة بالانتحار، ودعم البحوث العلمية وتوجيهها حول أسباب وأعراض الانتحار وطرق الحماية منه، ودعم الأقسام العلمية الاجتماعية والنفسية بالمختصين في هذا الجانب، وإقامة المحاضرات التوعوية.
ودعا الدكتور العود إلى تخصيص صفحات أسبوعية خاصة بالاستشارات الاجتماعية والنفسية والقانونية، وأن يكون القائمون عليها فريقاً من المهنيين المتخصصين في الطب النفسي والخدمة الاجتماعية والقانون.
عدم تفهم الأسرة أحد الأسباب
* وقال مدير إدارة الخدمة الاجتماعية بمدينة الملك فهد الطبية طلال الأسمري إن الانتحار رسالة يوجهها المقدم على الانتحار إلى من يتسبب في معاناته من داخل الأسرة، أو يشكل له حجر عثرة، وقد يكون مضمون الرسالة تهديدا أو افتقادا للحب والاهتمام داخل الأسرة، ممثلا على ذلك بمعارضة الأب أو الأم أو الولي لزواج البنت من شخص تريده ومقتنعة به لأسباب غير منطقية، مما يدفعها للجوء إلى الانتحار كوسيلة للفت النظر، مضيفا أن هنالك نوعا آخر من الانتحار المرضي، وفيه ينتقم الشخص من ذاته.
وانتقد الأسمري عدم تفهم أسرة المقدم على الانتحار لوضعه، حيث إن عدم وعيهم لا يساعد في الاستفادة من توجيهات المعالج، مضيفا أن الانتحار يؤثر سلبا على الأسرة، فيدفعها لحرمان المريض من إكمال الجلسات العلاجية، مشككين في مرض الابن أو البنت، معتقدين أن المرض ينحصر في العلل الجسدية فقط.
ولعلاج حالات المقدمين على الانتحار اقترح الأسمري انخراطهم في خطة علاجية تحت إشراف متخصص ووفق آلية ونظام محددين، وتعزيز دور لجنة الحماية الأسرية لجميع أفراد المجتمع من كبار سن ونساء وأطفال، وعدم حصرها في النساء والأطفال فقط، مع الاستمرار في متابعة الحالة من حيث الإرشاد والتوجيه أو الدعم المادي والرعاية داخل الأسرة أو الإيواء، مع التوجيه الديني والرعاية الأسرية اللاحقة.
وللحد من حالات الانتحار طالب الاختصاصيون بالعمل على تنفيذ برنامج تثقيفي نفسي للشباب والشابات في المدارس والكليات، وتنظيم ندوات وورش عمل تثقيفية، لتقديم المعلومات حول أهم المشكلات النفسية، ومنها الانتحار.
كما طالبوا بتحديد رقم موحد للحالات الحرجة كالإيذاء أو للانتحار بشكل خاص، وأيضا إيجاد نظام تشريعي يضمن حماية المعالج المتعامل مع حالات الانتحار، والعمل على تقليل الضغوط النفسية عن طريق التوعية والترشيد بأسلوب إيجابي، وإنشاء جمعيات خاصة برعاية من يفكرون بالانتحار، أسوة بمدمني المخدرات، وإيجاد برامج علاجية مجانية في العيادات المتخصصة بمبلغ مدفوع من جهة رسمية تتولى قضية الانتحار.
حرمت من طفلها فحاولت الانتحار
سيدة ألقت بنفسها من سيارة أجرة في طريق سريع، لأن طليقها قرر حرمانها من طفلها الصغير، ولم تجد دعما من أسرتها لاستعادته، ولم يستمع لها ويساعدها أحد، لم تحتمل ذلك فتعرضت لصدمة نفسية، ولكنها رغم ما فعلته لم تمت.
وتروي ف. ع واقعة انتحار شقيقها، حيث تهجم ح على أخيه بالشتم، ووصل الأمر إلى العنف، فخرجت الأمور من زمامها، وفي خضم ثورة ح انطلق كالمجنون للبحث عن الرشاش، وأطلق على أخيه طلقات فأصابه، ثم عاد إلى نفس المكان ليصوب الرشاش من خلف الباب اعتقادا منه أن أخاه خلفه، ليكتشف الطامة الكبرى، فقد أصاب والده وقتله، عندها تراجع إلى غرفته، وأفرغ الرشاش في رأسه، وانتحر مخلفا وراءه مئات من الأسئلة.
وتسرد ف بنفس النبرة حادثة انتحار أخرى حدثت في قبيلتهم، حيث شهدت انتحار طالب ثانوي شنقاً، بسبب رسوبه في امتحان الثانوية العامة، وتهديد والده له مسبقاً بالعقاب في حالة عدم حصوله على معدل ليؤهله لدخول الجامعة.
الزهراني أن هناك العديد من الأسباب التي لمست على أرض الواقع ومنها مشكلات اجتماعية واقتصادية وضغوط اجتماعية مثل مشكلات الطلاق والعنف والهروب من الواقع والانهزامية، وإجبار الفتيات على الزواج، وانفصال الوالدين، والضغوط النفسية على الفتيات.
وقال إن كثيراً من المنتحرين الأجانب يتركون خلفهم رسائل تحكي عن سبب الانتحار، مبينا أن هذه الرسائل تساعد في التكيف مع القانون، بدلا من البحث عن شبهة جنائية، بحيث يحكي المنتحر أسباب الانتحار ودوافعه، مستشهدا بحالة انتحار حدثت هذا العام في انتهاء موسم الحج لمنتحر أجنبي انتحر في مزدلفة، رغم أن أسرته كانت معه في الحج، مؤكدا أن معظم مشكلات الانتحار ناتجة عن الاكتئاب، والشعور بالعجز والضعف، وعدم الإيمان بالقضاء والقدر.
يقول الزهراني "الفتيات يستخدمن وسائل سهلة في الانتحار، بحيث يمكن إنقاذهن من الموت، وخاصة عند استخدام العقاقير الطبية أو المواد المنظفة، وتقوم الإدارة في هذه الحالات بالاتصال بالأسرة، والعمل على توجيه وتوعية الأسرة بتغيير أسلوب التعامل مع الفتاة، ولقد نجحنا في إنقاذ العديد من الفتيات، أما الشباب فيختارون غالبا أسلوب الشنق أو عمل قطع بسكين في أحد الأوردة، أو استخدام الطلق الناري، مشيرا إلى أن الفترة الأخيرة شهدت تقليد بعض صغار السن لعدد من الأفلام ولعمليات الانتحار والشنق، وعندما تكون لشخص دون سن التكليف تعد تقليدا، ولا تعد انتحارا لأن الانتحار يصدر عن إنسان مدرك أنه ينهي حياته.
الإنسان مستخلف على نفسه
ويقول رئيس هيئة الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة بالسعودية الدكتور عبدالله المصلح "موقف الدين من الحفاظ على النفس مبني على خمس قواعد، وهي الحفاظ على الدين والنفس والعقل والمال والعرض، وهذا التكامل في البناء الاجتماعي يعتبر الميزة التي تتميز بها هذه الشريعة عما سواها من شرائع الأرض، وأي خلل في هذه القواعد الخمس يعني وجود خلل واقع في المجتمع والأمة".
وأبان الدكتور المصلح أن الإسلام وضع مجموعة من الأسباب الحامية لكل واحد من القواعد الخمس، ومن ضمن ما حمى الله من هذه القواعد الخمس قاعدة الحفاظ على النفس، ويبدأ ذلك من باب الحفاظ على النفس بالاعتقاد، بأن هذا الإنسان هو بناء الله الذي خلقه، وهذا البناء هو الذي يجب أن يقدر، وأن المالك الحقيقي لهذا الإنسان هو الله عز وجل، والإنسان على نفسه مستخلف، وأن الإنسان ليس حرا في قتل نفسه، بل هو مؤاخذ على ذلك، بل إن الله يعذبه ويدخله النار بما كان من قتل نفسه، وهذا الاعتقاد يجعل للإنسان حرمة نفسه على نفسه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "...زوال الدنيا وما عليها أهون عند الله من قتل رجل مسلم"، سواء أكان القتل من خلال الغير أو بالنفس، وقد وجدنا في كلامه "صلى الله عليه وسلم" وهو ينظر إلى الكعبة قوله "إن حرمتك عند الله لعظيمة، ولكن حرمة دم المسلم عند الله أعظم منك" أي الكعبة.
ضغوط الأسرة سبب رئيسي
وقسم استشاري الصحة النفسية بأبها الدكتور علي الزائري الأسباب التي تؤدي إلى الانتحار إلى أسباب اجتماعية وأسرية من مشكلات وضعف التكافل الأسري بين أفراد الأسرة الواحدة ومشكلات نفسية مثل القلق والاكتئاب النفسي والمخدرات والمشكلات الأخلاقية والتفكك الأسري والظروف الاجتماعية السيئة والمشكلات الاقتصادية.
وعن خطوات الانتحار لدى الفتيات أشار إلى أن السيدات يستخدمن العقاقير الطبية أو المنظفات المنزلية، وهذا النوع من الانتحار يمكن تداركه، على العكس من خطوات الانتحار لدى الشباب التي يتم فيها استخدام الشنق والسكين وغير ذلك.
وقال "مشكلات الانتحار بين الشباب السعودي تتركز بين عمر 18 سنة إلى 30 سنة، ومحاولات انتحار الفتيات تشكل أربعة أضعاف محاولات انتحار الشباب، مع أن محاولات الفتيات لا تعد محاولات قاتلة مقارنة بالشباب"، مشيرا إلى أن العديد من الحالات التي تابعها جاءت نتيجة لضغوط وخلافات من الأسرة.
وبين الدكتور زائري أن الحلول لابد أن تكون عن طريق رعاية نفسية للمرضى النفسيين الذين يعانون من الاكتئاب، وإعادة التأهيل النفسي عبر الجلسات النفسية مع الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين، وإعادة تأهيل الأسرة، والمساهمة في إيجاد علاقة أسرية ناجحة بين الآباء والأبناء والأمهات والبنات، وحل المشكلات الأسرية، والعمل على تدعيم الجوانب الاقتصادية لدى الشباب والشابات، حيث إن العديد من الأسر تتجاهل قضية الدعم الاقتصادي، وذلك بسبب ضعف إيرادات الأسرة وقلة التعليم، والعجز عن إيجاد مصادر دخل.
وطالب بالعمل على تنفيذ برنامج تثقيفي نفسي للشباب والشابات في المدارس والكليات، وتنظيم ندوات وورش عمل تثقيفية بدعم من الاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين، لتقديم المعلومات حول أهم المشكلات النفسية، ومنها الانتحار، وتوعية الشباب والفتيات بكيفية التعامل مع المشكلات المختلفة، وتقوية الوازع الديني، والتعريف بطرق التعامل مع المشكلة، والتخلص من التوتر والاكتئاب، وأن يتم وضع هذه المعلومات في المناهج التعليمية، والتعريف بالأمراض النفسية والاجتماعية الشائعة.
تحذير من تقليد الأطفال لمشاهد العنف
ومن جهته يؤكد الاستشاري النفسي الدكتور محمد التويجري من جامعة الإمام محمد بن سعود على وجود الانتحار في المجتمع السعودي منذ زمن والانفتاح الإعلامي أسهم في كشف الغطاء عنه بجرأة خاصة في الآونة الأخيرة، ويعقب قائلا "مجتمعنا كالمجتمعات الأخرى نعاني من وجود الأمراض النفسية والذهنية النفسية كالفصام، والخلافات الزوجية وتعاطي المخدرات والكحول، والتي تعتبر من الأسباب الرئيسية للانتحار، ناهيك عن نتائج انهيار السوق وما أشارت إليه مصادر طبية في السعودية من ارتفاع أعداد مراجعي العيادات النفسية بشكل يفوق طاقة تلك العيادات، والسبب الرئيسي يعود إلى خسائر سوق الأسهم.
وحذر الدكتور التويجري من انتشار الانتحار بين الأطفال السعوديين، نتيجة للتقليد والمحاكاة لما يرونه على الشاشة من مشاهد العنف، أو إصابتهم بالاكتئاب نتيجة للعنف الأسري، ونفى إمكانية استخدام الشباب للإنترنت في الانتحار الجماعي عبر غرف الدردشة، واعتبرها ظاهرة غربية لها مسبباتها ومعطياتها التي تختلف عن عالمنا العربي.
ويطالب المشرف العام على الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بمنطقة مكة المكرمة الدكتور حسين الشريف الجهات المسؤولة بدراسات للحالات الفردية لتقوم الجمعية الوطنية بمعالجة هذه الحالات والوصول إلى حل باعتبار حق الحياة حقاً من حقوق الإنسان، كما أوضح أن مهمة الجمعية تقصي الحالات الفردية في دور الإيواء والرعاية والسجون وأي تقصير في إظهار الإحصائيات ستنصف الجمعية أهل المنتحر وتحاسب المتسبب في ذلك مع ملاحقته قانونياً، ولا يعتبر الدكتور الشريف الانتحار ظاهرة في السعودية لضبابية الإحصائيات وعدم دقتها.
رقم موحد لحالات الانتحار
ويقترح أستاذ الخدمة العلاجية الإكلينيكية بجامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور ناصر العود تحديد رقم موحد بدعم شركات الاتصال الجوال، مكون من خانة واحدة، مخزن في شرائح الجوال للحالات الحرجة كالإيذاء أو للانتحار بشكل خاص، وأيضا إيجاد نظام تشريعي يضمن حماية المعالج المتعامل مع حالات الانتحار بتشكيل فريق يجمع مختصين في الشرع والنفس والاجتماع والقانون، والعمل على تقليل الضغوط النفسية عن طريق التوعية والترشيد بأسلوب إيجابي، وإنشاء جمعيات خاصة برعاية من يفكرون بالانتحار، أسوة بمدمني المخدرات، وإيجاد برامج علاجية مجانية في العيادات المتخصصة بمبلغ مدفوع من جهة رسمية تتولى قضية الانتحار، والتنسيق بين مراكز الأعمال والصحة النفسية أثناء خروج المرضى لمتابعة أفكارهم الانحرافية بقتل نفسه أو غيرها، وتفعيل دور الاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين بشكل أكبر وأوسع مما هو موجود، ودعم المراكز الإرشادية الخيرية بتدريب وتوجيه وتأهيل الاختصاصيين فيها، وعمل برامج تلفزيونية وإذاعية توعوية لمناقشة المواضيع المتعلقة بالانتحار، ودعم البحوث العلمية وتوجيهها حول أسباب وأعراض الانتحار وطرق الحماية منه، ودعم الأقسام العلمية الاجتماعية والنفسية بالمختصين في هذا الجانب، وإقامة المحاضرات التوعوية.
ودعا الدكتور العود إلى تخصيص صفحات أسبوعية خاصة بالاستشارات الاجتماعية والنفسية والقانونية، وأن يكون القائمون عليها فريقاً من المهنيين المتخصصين في الطب النفسي والخدمة الاجتماعية والقانون.
عدم تفهم الأسرة أحد الأسباب
* وقال مدير إدارة الخدمة الاجتماعية بمدينة الملك فهد الطبية طلال الأسمري إن الانتحار رسالة يوجهها المقدم على الانتحار إلى من يتسبب في معاناته من داخل الأسرة، أو يشكل له حجر عثرة، وقد يكون مضمون الرسالة تهديدا أو افتقادا للحب والاهتمام داخل الأسرة، ممثلا على ذلك بمعارضة الأب أو الأم أو الولي لزواج البنت من شخص تريده ومقتنعة به لأسباب غير منطقية، مما يدفعها للجوء إلى الانتحار كوسيلة للفت النظر، مضيفا أن هنالك نوعا آخر من الانتحار المرضي، وفيه ينتقم الشخص من ذاته.
وانتقد الأسمري عدم تفهم أسرة المقدم على الانتحار لوضعه، حيث إن عدم وعيهم لا يساعد في الاستفادة من توجيهات المعالج، مضيفا أن الانتحار يؤثر سلبا على الأسرة، فيدفعها لحرمان المريض من إكمال الجلسات العلاجية، مشككين في مرض الابن أو البنت، معتقدين أن المرض ينحصر في العلل الجسدية فقط.
ولعلاج حالات المقدمين على الانتحار اقترح الأسمري انخراطهم في خطة علاجية تحت إشراف متخصص ووفق آلية ونظام محددين، وتعزيز دور لجنة الحماية الأسرية لجميع أفراد المجتمع من كبار سن ونساء وأطفال، وعدم حصرها في النساء والأطفال فقط، مع الاستمرار في متابعة الحالة من حيث الإرشاد والتوجيه أو الدعم المادي والرعاية داخل الأسرة أو الإيواء، مع التوجيه الديني والرعاية الأسرية اللاحقة.